محمود شادي اللواء
وسامكـ يا مسلمـ/ة : مهنتكـ يا مسلمـ/ة : مزاجــك يا مسلمـ/ة : علمـ دولتكـ يا مسلمـ/ة : هوايتكـ يا مسلمـ/ة : جنسك يا مسلمـ/ة : مساهماتكـ يا مسلمـ/ة * * : 775 نقاطكـ يا مسلمـ/ة * : 5668 سمعتكـ يا مسلمـ/ة * * : 0 تاريخ تسجيلكــ يا مسلمـ/ة * * : 16/12/2009 عمركـ يا مسلمــ/ة * * : 26
| موضوع: الدرس الثاني من كتاب الصيام الأحد يناير 24, 2010 4:28 pm | |
| كتاب الصيام
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين اخواني طلبةالعلم ..السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه ،، وبعد اعتدر منكم على تأخر الدرس وان كان وقته قد فات الا ان طالب العلم في كل حياته يستفيد من العلوم الشرعيه وحتى ولم يكن وقتها وفقكم والله وهذا الشرح من الممتع لشيخنا ابن عثيمين رحمه الله واترككم مع الشرح حيث وقفنا في الاسبوع الماضي
عند قوله
يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ هِلاَلِهِ، فَإِنْ لَمْ يُرَ مَعَ صَحْوِ لَيْلَةِ الثَّلاَثِينَ أَصْبَحُوا مُفْطِرِينَ، وَإِنْ حَالَ دُونَهُ غَيْمٌ، أوْ قَتَرٌ فَظَاهِرُ المَذْهَبِ يَجِبُ صَوْمَهُ .........
قوله: «يجب صوم رمضان برؤية هلاله» هذه الجملة لا يريد بها بيان وجوب الصوم؛ لأنه مما علم بالضرورة، ولكن يريد أن يبين متى يجب، فذكر أنه يجب بأحد أمرين:
الأول: رؤية هلاله: أي هلال رمضان
1 ـ لقوله تعالى: {{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}} [البقرة: 185] .
2 ـ وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتموه فصوموا» [(274)].
وعلم منه أنه لا يجب الصوم بمقتضى الحساب، فلو قرر علماء الحساب المتابعون لمنازل القمر أن الليلة من رمضان، ولكن لم ير الهلال، فإنه لا يصام؛ لأن الشرع علق هذا الحكم بأمر محسوس وهو الرؤية.
وقال بعض المتأخرين: إنه يجب العمل بالحساب إذا لم تمكن الرؤية، وبه فسر حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ وفيه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فإن غُمّ عليكم فاقدروا له» ، وقال: إنه مأخوذ من التقدير، وهو الحساب ولكن الصحيح أن معنى (اقدروا له) مفسر بكلام النبي صلّى الله عليه وسلّم وأن المراد به إكمال شعبان ثلاثين يوماً.
وقوله: «برؤية هلاله» يعم ما إذا رأيناه بالعين المجردة أو بالوسائل المقربة؛ لأن الكل رؤية .
الثاني: إتمام شعبان ثلاثين يوماً؛ لأن الشهر الهلالي لا يمكن أن يزيد عن ثلاثين يوماً، ولا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً، وعلى المذهب يزيد أمر ثالث، وهو أن يحول دون منظره غيم أو قتر، وسيأتي البحث فيه.
قوله: «فإن لم ير مع صحو ليلة الثلاثين أصبحوا مفطرين» أي: من شعبان، فإن لم ير الهلال مع صحو السماء، بأن تكون خالية من الغيم، والقتر والدخان والضباب، ومن كل مانع يمنع الرؤية ليلة الثلاثين من شعبان أصبحوا مفطرين؛ حتى وإن كان هلَّ في الواقع، وفي هذه الحال لا يصومون إما على سبيل التحريم وإما على سبيل الكراهة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه» [(275)].
قوله: «وإن حال دونه غيم، أو قتر فظاهر المذهب يجب صومه» أي: إن حال دون رؤية الهلال غيم، والغيم هو السحاب.
وقوله: «أو قتر» وهو التراب الذي يأتي مع الرياح، وكذلك غيرهما مما يمنع رؤيته.
وقوله: «فظاهر المذهب» هذا التعبير غريب من المؤلف لأنه ليس من عادته، ولأنه كتاب مختصر فلعله عبر به لقوة الخلاف.
وقوله: «المذهب» المراد به هنا المذهب الاصطلاحي لا الشخصي، وذلك لأن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ ليس عنه نص في وجوب صوم هذا اليوم خلافاً لما قاله الأصحاب.
وقوله: «يجب صومه» أي وجوباً ظنياً، احتياطياً.
فالوجوب هنا مبني على الاحتياط والظن، لا على اليقين والقطع؛ لأنه ربما يكون الهلال قد هَلَّ، لكن لم ير، وذلك لوجود الغيم أو القتر، أو غير ذلك ويحتمل أنه لم يظهر.
هذا هو المشهور من المذهب عند المتأخرين[(276)] حتى قال بعضهم: إن نصوص أحمد تدل على الوجوب، واستدلوا بما يلي:
1 ـ حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له» [(277)].
فقوله: (فاقدروا له) من القدر وهو الضيق وبهذا فسره الأصحاب فقالوا: اقدروا له: أي ضيقوا عليه، قالوا: ومنه قوله تعالى: {{وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}} [الطلاق: 7] أي: من ضُيق عليه، قالوا: والتضييق أن يجعل شعبان تسعة وعشرين يوماً.
2 ـ أن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: «كان إذا كان ليلة الثلاثين من شعبان، وحال دونه غيم أو قتر أصبح صائماً» [(278)].
3 ـ أنه يحتمل أن يكون الهلال قد هَلَّ، ولكن منعه هذا الشيء الحاجب، فيصوم احتياطاً.
ويجاب عما استدلوا به:
أما حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ فيقال: إذا سلمنا ما قلتم فلماذا لا نقول القدر أن يجعل رمضان تسعة وعشرين فتجعل التضيق على رمضان لأنه لم يهل هلاله إلى الآن، فليس له حق في الوجود فيبقى مضيقاً عليه، ولكننا نقول: الصواب أن المراد بالقدر هنا ما فسرته الأحاديث الأخرى، وهو إكمال شعبان ثلاثين يوماً إن كان الهلال لرمضان وإكمال رمضان، ثلاثين يوماً إن كان الهلال لشوال.
أما الاحتياط:
فأولاً: إنما يكون فيما كان الأصل وجوبه، وأما إن كان الأصل عدمه، فلا احتياط في إيجابه.
ثانياً: ما كان سبيله الاحتياط، فقد ذكر الإمام أحمد وغيره أنه ليس بلازم، وإنما هو على سبيل الورع والاستحباب، وذلك لأننا إذا احتطنا وأوجبنا فإننا وقعنا في غير الاحتياط، من حيث تأثيم الناس بالترك، والاحتياط هو ألا يؤثم الناس إلا بدليل يكون حجة عند الله تعالى.
وأما أثر ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ، فلا دليل فيه أيضاً على الوجوب لأن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قد فعله على سبيل الاستحباب؛ لأنه لو كان على سبيل الوجوب لأمر الناس به، ولو أهله على الأقل.
القول الثاني: يحرم صومه[(279)] واستدل هؤلاء بما يأتي:
1 ـ قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه» [(280)] وإن لم يكن يصوم صوماً فصام هذا اليوم الذي فيه شك فقد تقدم رمضان بيوم.
2 ـ وبحديث عمار بن ياسر ـ رضي الله عنهما ـ الذي علقه البخاري، ووصله أصحاب السنن ـ: «من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلّى الله عليه وسلّم» [(281)] ولا شك أن هذا يوم يشك فيه؛ لوجود الغيم والقتر.
3 ـ قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين» [(282)] فقوله: «أكملوا العدة ثلاثين» أمر، والأصل في الأمر الوجوب، فإذا وجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً حرم صوم يوم الشك.
4 ـ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «هلك المتنطعون» [(283)] فإن هذا من باب التنطع في العبادة، والاحتياط لها في غير محله.
القول الثالث: أن صومه مستحب، وليس بواجب.
واستدلوا: بفعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما[(284)].
القول الرابع: أن صومه مكروه، وليس بحرام[(285)] ولعله لتعارض الأدلة عندهم.
القول الخامس: أن صومه مباح، وليس بواجب، ولا مكروه، ولا محرم ولا مستحب[(286)] لتعارض الأدلة عندهم.
القول السادس: العمل بعادة غالبة فإذا مضى شهران كاملان فالثالث ناقص، وإذا مضى شهران ناقصان فالثالث كامل، فإذا كان شهر رجب وشعبان ناقصين، فرمضان كامل، وإذا كان رجب وجمادى الثانية ناقصين، فشعبان كامل[(287)].
القول السابع: أن الناس تبعٌ للإمام[(288)]، فإن صام الإمام صاموا، وإن أفطر أفطروا، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس» [(289)].
وأصح هذه الأقوال هو التحريم، ولكن إذا رأى الإمام وجوب صوم هذا اليوم، وأمر الناس بصومه، فإنه لا ينابذ، ويحصل عدم منابذته بألا يظهر الإنسان فطره، وإنما يفطر سراً.
والمسألة هنا لم يثبت فيها دخول الشهر، أما لو حكم ولي الأمر بدخول الشهر فالصوم واجب.
وَإِنْ رُئيَ نَهَاراً فَهْوَ للَّيْلَةِ المُقْبِلَةِ.
قوله: «وإن رئي نهاراً فهو لليلة المقبلة» الضمير يعود على الهلال، والمؤلف لم يرد الحكم بأنه لليلة المقبلة، ولكنه أراد أن ينفي قول من يقول: إنه لليلة الماضية، فإن بعض العلماء يقول: إذا رئي الهلال نهاراً قبل غروب الشمس من هذا اليوم فإنه لليلة الماضية، فيلزم الناس الإمساك.
وفصل بعض العلماء بين ما إذا رئي قبل الزوال أو بعده.
والصحيح أنه ليس لليلة الماضية، اللهم إلا إذا رئي بعيداً عن الشمس بينه وبين غروب الشمس مسافة طويلة، فهذا قد يقال: إنه لليلة الماضية، ولكنه لم ير فيه لسبب من الأسباب، لكن مع ذلك لا نتيقن هذا الأمر.
وقوله: «لليلة المقبلة» ليس على إطلاقه أيضاً؛ لأنه إن رئي تحت الشمس بأن يكون أقرب للمغرب من الشمس فليس لليلة المقبلة قطعاً؛ لأنه سابق للشمس، والهلال لا يكون هلالاً إلا إذا تأخر عن الشمس.
فمثلاً: إذا رئي قبل غروب الشمس بنصف ساعة، وغرب قبل غروبها بربع ساعة، فلا يكون للمقبلة قطعاً لأنه غاب قبل أن تغرب الشمس، وإذا غاب قبل أن تغرب الشمس فلا عبرة برؤيته؛ لأن العبرة برؤيته أن يُرى بعد غروب الشمس متخلفاً عنها.
وَإِذَا رَآهُ أَهْلُ بَلَدٍ لَزِمَ النَّاسَ كُلَّهُم الصَّوْمُ.
قوله: «وإذا رآه أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم» المراد بأهل البلد هنا من يثبت الهلال برؤيته، فهو عام أريد به خاص، فليس المراد به جميع أهل البلد، من كبير وصغير وذكر، وأنثى، فإذا ثبتت رؤيته في مكان لزم الناس كلهم الصوم في مشارق الأرض ومغاربها، ويدل على ذلك:
1 ـ قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» [(290)]؛ والخطاب موجه لعموم الأمة.
2 ـ أن ذلك أقرب إلى اتحاد المسلمين، واجتماع كلمتهم، وعدم التفرق بينهم بحيث لا يكون هؤلاء مفطرين وهؤلاء صائمين، فإذا اجتمعوا وكان يوم صومهم ويوم فطرهم واحداً كان ذلك أفضل وأقوى للمسلمين في اتحادهم، واجتماع كلمتهم، وهذا أمر ينظر إليه الشرع نظر اعتبار.
وعلى ذلك إذا ثبتت رؤيته وقت المغرب في أمريكا وجب الصوم على الموجودين في الصين رغم تباعد مطالع الهلال.
القول الثاني: لا يجب إلا على من رآه، أو كان في حكمهم بأن توافقت مطالع الهلال، فإن لم تتفق فلا يجب الصوم.
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: تختلف مطالع الهلال باتفاق أهل المعرفة بالفلك، فإن اتفقت لزم الصوم، وإلا فلا، واستدلوا بالنص والقياس.
أما النص فهو:
1 ـ قوله تعالى: {{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}} [البقرة: 185] ، والذين لا يوافقون من شاهده في المطالع لا يقال إنهم شاهدوه لا حقيقة؛ ولا حكماً، والله تعالى أوجب الصوم على من شاهده.
2 ـ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» [(291)] فعلل الأمر في الصوم بالرؤية، ومن يخالف من رآه في المطالع لا يقال إنه رآه لا حقيقة، ولا حكماً.
3 ـ حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وفيه أن أم الفضل بنت الحارث بعثت كريباً إلى معاوية بالشام فقدم المدينة من الشام في آخر الشهر فسأله ابن عباس عن الهلال فقال: رأيناه ليلة الجمعة فقال ابن عباس: لكننا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقال: أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم[(292)].
وأما القياس فلأن التوقيت اليومي يختلف فيه المسلمون بالنص والإجماع، فإذا طلع الفجر في المشرق فلا يلزم أهل المغرب أن يمسكوا لقوله تعالى: {{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ}} [البقرة: 187] ، ولو غابت الشمس في المشرق، فليس لأهل المغرب الفطر.
فكما أنه يختلف المسلمون في الإفطار والإمساك اليومي، فيجب أن يختلفوا كذلك في الإمساك والإفطار الشهري، وهذا قياس جلي
وهذا القول هو القول الراجح، وهو الذي تدل عليه الأدلة.
ولهذا قال أهل العلم: إذا رآه أهل المشرق وجب على أهل المغرب المساوين لهم في الخط أن يصوموا؛ لأن المطالع متفقة، ولأن الهلال إذا كان متأخراً عن الشمس في المشرق فهو في المغرب من باب أولى؛ لأن سير القمر بطيء كما قال الله تعالى: {{وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا *}} [الشمس].
وإذا رآه أهل المغرب هل يجب الصيام على أهل المشرق؟ الجواب: لا؛ لأنه ربما في سير هذه المسافة تأخر القمر.
القول الثالث: أن الناس تبع للإمام فإذا صام صاموا، وإذا أفطر أفطروا، ولو كانت الخلافة عامة لجميع المسلمين فرآه الناس في بلد الخليفة، ثم حكم الخليفة بالثبوت لزم من تحت ولايته في مشارق الأرض أو مغاربها، أن يصوموا أو يفطروا لئلا تختلف الأمة وهي تحت ولاية واحدة، فيحصل التنازع والتفرق، هذا من جهة المعنى.
ومن جهة النص: فلقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس» [(293)]، فالناس تبع للإمام، والإمام عليه أن يعمل ـ على القول الراجح ـ باختلاف المطالع.
وعمل الناس اليوم على هذا أنه إذا ثبت عند ولي الأمر لزم جميع من تحت ولايته أن يلتزموا بصوم أو فطر، وهذا من الناحية الاجتماعية قول قوي، حتى لو صححنا القول الثاني الذي نحكم فيه باختلاف المطالع فيجب على من رأى أن المسألة مبنية على المطالع، ألا يظهر خلافاً لما عليه الناس.
القول الرابع: أنه يلزم حكم الرؤية كل من أمكن وصول الخبر إليه في الليلة، وهذا في الحقيقة يشابه المذهب في الوقت الحاضر؛ لأنه يمكن أن يصل الخبر إلى جميع أقطار الدنيا في أقل من ليلة، لكن يختلف عن المذهب فيما إذا كانت وسائل الاتصالات مفقودة.
مسألة: الأقليات الإسلامية في الدول الكافرة، إن كان هناك رابطة، أو مكتب، أو مركز إسلامي؛ فإنها تعمل بقولهم، وإذا لم يكن كذلك، فإنها تخيَّر، والأحسن أن تتبع أقرب بلد إليها.
ويُصَامُ بِرُؤْيَةِ عَدْلٍ وَلَوْ أُنْثَى. فَإنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ ثَلاثِينَ يَوْماً، فَلَمْ يُرَ الهِلاَلَ، أَوْ صَامُوا لأَجْلِ غَيْمٍ لَمْ يُفْطِرُوا.
قوله: «ويصام» مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود إلى رمضان.
قوله: «برؤية عدل» وبعضهم يعبر بقوله: «برؤية ثقة» وهذا أعم.
والمراد بسبب رؤية العدل يثبت الشهر.
والدليل حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: «تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلّى الله عليه وسلّم أني رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه» [(294)].
وكذلك حديث الأعرابي الذي أخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه رأى الهلال فقال: أتشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. قال: نعم فقال لبلال: «قم يا بلال فأذن بالناس أن يصوموا غداً» [(295)]. فهذان الحديثان وإن كانا ضعيفين لكن أحدهما يسند الآخر. والصيام بشهادة واحد مقتضى القياس؛ لأن الناس يفطرون بأذان الواحد ويمسكون بأذان الواحد، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» [(296)].
والعدل في اللغة: هو المستقيم، وضده المعوج.
وفي الشرع: من قام بالواجبات، ولم يفعل كبيرة، ولم يصر على صغيرة.
والمراد بالقيام بالواجبات أداء الفرائض كالصلوات الخمس.
والمراد بالكبيرة كل ذنب رتب عليه عقوبة خاصة، كالحد والوعيد واللعن ونحو ذلك مثاله النميمة، وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض لقصد الإفساد بينهم، كأن يذهب شخص لآخر فيقول له: فلان قال فيك كذا وكذا، مما يؤدي إلى العداوة والبغضاء بينهم، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل الجنة قتات »[(297)] أي: نمام، وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: «مرّ النبي صلّى الله عليه وسلّم بقبرين، فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة» [(298)] فإذا نم الإنسان مرة واحدة ولم يتب فليس بعدل.
ومن الكبائر أيضاً الغيبة وهي ذكرك أخاك بما يكره من عيب خلقي، أو خُلقي، أو ديني.
فالخلقي كأن تقول: إن هذا الرجل أعور، أو أنفه معوج، أو فمه واسع، وما أشبه ذلك.
والديني مثل أن تقول: هذا متهاون بالصلاة، وهذا لا يبر والديه، وما أشبه ذلك.
والخُلُقي كأن تقول: هذا أحمق، سريع الغضب، عصبي، وما أشبه ذلك إذا كان في غيبته أما إذا كان في حضوره، فإنه يسمى سبّاً وليس بغيبة، والفقهاء يزيدون على ذلك في وصف العدل ألا يخالف المروءة، فإن خالف المروءة فإنه ليس بعدل، ومثلوا لذلك بمن يأكل في السوق، وبمن يتمسخر بالناس أي: يقلد أصواتهم أو حركاتهم وما أشبه ذلك.
وقياس كلام أحمد في قوله: إن من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة، أن من ترك عبادة مؤكدة أنه تسقط عدالته.
ولكن ينبغي أن يقال: إن الشهادة في الأموال ليست كالشهادة في الأخبار الدينية، ففي الأموال يجب أن نشدد، لا سيما في هذا العصر لكثرة من يشهدون زوراً، لكن في الشهادة الدينية يبعد أن يكذب الإنسان فيها، إلا أن يكون هناك مغريات توجب أن يكذب.
مثل ما يقال في بعض الدول إذا شهد شخص بدخول رمضان أعطوه مكافأة، أو بشهادة شوال أخذ مكافأة هذه الأشياء ربما تغري ضعيف الإيمان فيشهد بما لا يرى.
ولو قلنا بقول الفقهاء لم نجد عدلاً؛ فمن يسلم من الغيبة، والسخرية بالناس، والتهاون بالواجبات، وأكل المحرم، وغير ذلك؛ ولهذا كان الصحيح بالنسبة للشهادة أنه يقبل منها ما يترجح أنه حق وصدق؛ لقوله تعالى: {{مِمَنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}} [البقرة: 282] ؛ ولأن الله لم يأمرنا برد شهادة الفاسق بل أمرنا بالتبين فقال تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}} [الحجرات: 6] .
ويشترط مع العدالة أن يكون قوي البصر بحيث يحتمل صدقه فيما ادعاه، فإن كان ضعيف البصر لم تقبل شهادته، وإن كان عدلاً؛ لأنه إذا كان ضعيف البصر وهو عدل، فإننا نعلم أنه متوهم.
والدليل على ذلك أن القوة والأمانة شرطان أساسيان في العمل، ففي قصة موسى مع صاحب مدين قالت إحدى ابنتيه: {{يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}} [القصص: 26] وقال العفريت من الجن الذي التزم أن يأتي بعرش ملكة سبأ {{وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}} [النمل: 39] ومن ذلك الشهادة لا بد فيها من الأمانة التي تقتضيها العدالة، ولا بد فيها من القوة التي يحصل بها إدراك المشهود به ففات المؤلف هنا أن يقول: قوي البصر، لكن لو أراد شخص أن يعتذر عن المؤلف، فيقول: إن العدل إذا كان ضعيف البصر فلا يمكن أن يشهد بما لا يرى.
فنقول: هذا ليس بعذر؛ لأن العدل إذا توهم أنه رأى الهلال فسوف يصر على أنه رآه؛ لما عنده من الدين الذي يرى أنه من الواجب عليه أن يبلغ ليصوم الناس أو يفطروا، لذلك فلا بد من إضافة قوي البصر.
مسائل:
الأولى: لو تراءى عدل الهلال مع جماعة كثيرين، وهو قوي البصر ولم يره غيره فهل يصام برؤيته؟
الجواب: نعم يصام، وهذا هو المشهور من مذهبنا وعليه أكثر أهل العلم، وقال بعض العلماء: إنه إذا لم يره غيره مع كثرة الجمع فإنه لا يعتبر قوله؛ لأنه يبعد أنه ينفرد بالرؤية دونهم.
والصحيح الأول لعدالته وثقته.
الثانية: من رأى الهلال وهو ممن يفعل الكبيرة، كشرب الخمر يلزمه أن يخبر أنه رأى الهلال، ولا يخبر أنه يفعل كبيرة؛ لأن الأحكام تتبعّض.
الثالثة: على المذهب لا تقبل شهادة مستور الحال؛ للجهل بعدالته.
وعندي أن القاضي إذا وثق بقوله فلا يحتاج للبحث عن عدالته.
قوله: «ولو أنثى» «لو» غالباً تأتي إشارة للخلاف، والمسألة هنا كذلك فإن بعض العلماء قال: إن الأنثى لا تقبل شهادتها لا في رمضان، ولا في غيره من الشهور؛ لأن الذي رأى الهلال في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل[(299)]؛ ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا» [(300)] والمرأة شاهدة وليست شاهداً.
لكن الأصحاب يقولون: إن هذا خبر ديني يستوي فيه الذكور والإناث، كما استوى الذكور والإناث في الرواية، والرواية خبر ديني؛ ولهذا لم يشترطوا لرؤية هلال رمضان ثبوت ذلك عند الحاكم، ولا لفظ الشهادة، بل قالوا لو سمع شخصاً ثقة يحدث الناس في مجلسه بأنه رأى الهلال فإنه يلزمه أن يصوم بخبره.
قوله: «فإن صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوماً، فلم ير الهلال أو صاموا لأجل غيم لم يفطروا» «إن صاموا» أي: الناس «بشهادة واحد» أي: في دخول شهر رمضان ولم يروا هلال شوال، فإنهم لا يفطرون فيصومون واحداً وثلاثين يوماً؛ لأنه لا يثبت خروج الشهر إلا بشهادة رجلين، وهنا الصوم مبني على شهادة رجل فهو مبني على سبب لا يثبت به خروج الشهر، فلو أفطروا لكانوا قد بنوا على شهادة واحد وهذا لا يكون في الفطر، هذا هو المشهور من المذهب[(301)].
وقال بعض أهل العلم: بل إذا صاموا ثلاثين يوماً بشهادة واحد لزمهم الفطر؛ لأن الفطر تابع للصوم ومبني عليه، والصوم ثبت بدليل شرعي وقد صاموا ثلاثين يوماً، ولا يمكن أن يزيد الشهر على ثلاثين يوماً، أو يقال يلزمهم الفطر تبعاً للصوم؛ لأنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً وهذا القول هو الصحيح.
وقوله: «أو صاموا لأجل غيم لم يفطروا» إذا صاموا لأجل غيم، فإنهم لا يفطرون؛ لأن صيامهم في أول الشهر ليس مبنياً على بينة، وإنما هو احتياط.
وعلى القول الصحيح لا ترد هذه المسألة؛ لأنه لن يصام لأجل غيم، فهذه المسألة إنما ترد على قول من يلزمهم بالصيام لأجل الغيم.
تنبيه: كل الأشياء المعلقة بدخول شهر رمضان لا تحل في ليلة الثلاثين من شعبان إذا كان غيم أو قتر، وإنما يجب الصوم فقط لأن الشهر لم يثبت دخوله شرعاً، وإنما صمنا احتياطاً، مثال ذلك، لو قال رجل لزوجته: إذا دخل رمضان فأنت طالق، فإنه لا يقع الطلاق بتلك الليلة، وكذا الديون المؤجلة إلى دخول شهر رمضان فإنها لا تحل بتلك الليلة، وكذا المعتدة بالأشهر إذا كانت عدتها تنتهي بتمام شعبان فإنها لا تنتهي بتلك الليلة.
مسألة: لو صام برؤية بلد، ثم سافر لبلد آخر قد صاموا بعدهم بيوم، وأتم هو ثلاثين يوماً ولم ير الهلال في تلك البلد التي سافر إليها، فهل يفطر، أو يصوم معهم؟
الصحيح أنه يصوم معهم، ولو صام واحداً وثلاثين يوماً، وربما يقاس ذلك على ما لو سافر إلى بلد يتأخر غروب الشمس فيه، فإنه يفطر حسب غروب الشمس في تلك البلد التي سافر إليها.
وقيل: ـ وهو المذهب ـ إنه يفطر سراً؛ لأنه إذا رؤي في بلد لزم الناس كلهم حكم الصوم والفطر.
وَمَنْ رَأَى وَحْدَهُ هِلاَلَ رَمَضَانَ، وَرُدَّ قَولُهُ، أوْ رَأى هِلاَلَ شَوَّالٍ صَام ..........
قوله: «ومن رأى وحده هلال رمضان، ورد قوله، أو رأى هلال شوال صام» «وحده» أي: منفرداً عن الناس، سواء كان منفرداً بمكان أو منفرداً برؤية.
مثال ما إذا كان منفرداً بمكان، إذا كان الإنسان في برية ليس معه أحد فرأى الهلال، وذهب إلى القاضي فرد قوله إما لجهالته بحاله، أو لأي سبب من الأسباب.
ومثال الانفراد بالرؤية، أن يجتمع معه الناس لرؤية الهلال فيراه هو، ولا يراه غيره لكن رد قوله فيلزمه الصوم؛ لقوله تعالى: {{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}} [البقرة: 185] ولقول النبي صلّى الله عليه وسلّم «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» [(302)] وهذا الرجل رآه فوجب عليه الصوم، وكل ما يترتب على دخول الشهر؛ لأنه رآه.
وقال بعض العلماء: لو رأى هلال رمضان وحده لم يلزمه الصوم؛ لأن الهلال ما هلَّ واشتهر لا ما رئي.
وقوله: «أو رأى هلال شوال صام» أي: وجوباً ففرق المؤلف بين من انفرد برؤية هلال رمضان، ورد قوله بأنه يصوم مع مفارقته الجماعة، وبين من انفرد برؤية هلال شوال فإنه يصوم ولا يفطر برؤيته؛ ووجه ذلك أن هلال شوال لا يثبت شرعاً إلا بشاهدين، وهنا لم يشهد به إلا واحد، فلا يكون داخلاً شرعاً فيلزمه الصوم مع أنه رآه.
وأما هلال رمضان فيثبت بشهادة واحد وقد شهد به فلزمه الصوم.
وقال بعض العلماء: بل يجب عليه الفطر سراً لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» وهذا الرجل قد رآه فيلزمه الفطر، ولكن يكون سراً؛ لئلا يظهر مخالفة الجماعة.
واختار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في هاتين المسألتين أنه يتبع الناس؛ فلو رأى وحده هلال رمضان لم يصم؛ ولو رأى هلال شوال وحده لم يفطر؛ لأن الهلال ما هَلَّ واستهل، واشتهر، لا ما رئي.
والذي يظهر لي في مسألة الصوم في أول الشهر ما ذكره المؤلف أنه يصوم، وأما في مسألة الفطر فإنه لا يفطر تبعاً للجماعة، وهذا من باب الاحتياط، فنكون قد احتطنا في الصوم والفطر، ففي الصوم قلنا له: صم، وفي الفطر قلنا له: لا تفطر بل صم.
مسألة: تبين مما سبق أن دخول رمضان يثبت بشهادة واحد، ودليل ذلك حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: «تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلّى الله عليه وسلّم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه» [(303)].
وهلال شوال وغيره من الشهور لا يثبت إلا بشاهدين لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا» [(304)] ومثله دخول شهر ذي الحجة لا يثبت إلا بشاهدين، فلو رآه شخص وحده لم يثبت دخول الشهر بشهادته؛ وعلى هذا فإذا وقف رجل بعرفة في اليوم التاسع عنده الذي هو الثامن عند الناس فإن ذلك لا يجزئه. وإن أراد أن يصوم اليوم التاسع عنده الذي هو عند الناس الثامن بنية أنه يوم عرفة، فإن ذلك لا يجزئه عن صوم يوم عرفة، ولو صام اليوم التاسع عند الناس الذي هو العاشر عنده، هل يجوز أن يصومه؟
الجواب: نعم يجوز أن يصومه؛ لأنه وإن كان عنده حسب رؤيته العاشر فإنه عند الناس التاسع، فلم يثبت شرعاً دخول شهر ذي الحجة بشهادة هذا الرجل، وعلى هذا فإذا وقف في العاشر عنده، وهو التاسع عند الناس أجزأه الوقوف.
وقول المؤلف هنا: «ومن رأى وحده هلال رمضان، ورد قوله» ولم يقل في هلال شوال ورد قوله؟ لأن هلال شوال لا يثبت برؤية واحد مطلقاً حتى لو قبل وصدق، بخلاف هلال رمضان. | |
|