محمود شادي اللواء
وسامكـ يا مسلمـ/ة : مهنتكـ يا مسلمـ/ة : مزاجــك يا مسلمـ/ة : علمـ دولتكـ يا مسلمـ/ة : هوايتكـ يا مسلمـ/ة : جنسك يا مسلمـ/ة : مساهماتكـ يا مسلمـ/ة * * : 775 نقاطكـ يا مسلمـ/ة * : 5668 سمعتكـ يا مسلمـ/ة * * : 0 تاريخ تسجيلكــ يا مسلمـ/ة * * : 16/12/2009 عمركـ يا مسلمــ/ة * * : 26
| موضوع: من السنن الإلهية في السيرة النبوية الثلاثاء يونيو 08, 2010 2:18 pm | |
| كثيرة هي السنن التي سير الله بها حركة الخلائق منذ أن خلقهم، سنن لا تبديل فيها ولا تغيير، جعلها الله لتنظيم سير الحياة على الأرض فغدت أقرب إلى الدليل الذي يرسم منحى عام لاتجاه حياة البشر،إلا أن قلة قليلة منهم هي التي تعي حركة التاريخ وسنن الله التي تحكم سير الخلائق، فمن تأمل رحلة الاجتماع الإنساني منذ نشأته إلى الآن يستطيع ـ بقليل جهد ـ أن يرسم منحى عام لهذا السعي البشري في إعمار الأرض وتنظيم شئونه فيها، وهذا المنحى له نقاط بارزة كأنها مؤشرات على الطريق الشاق للاجتماع الإنساني، هذه النقاط هي سنن الله تعالى..... ورحلة الدعوة إلى التوحيد قد احتضنت بين جناحيها التطبيق العملي لهذه السنن، فرحلة الأنبياء ـ كل مع قومه بالقدر الذي صح منها ـ دافع إلى التدبر والتأمل في تلك السنن، ولما كانت تفاصيل تلك الرحلة غامضة لما شاب سيرهم المطهرة من تحريف وتبديل عبر سنوات الزمان وانتقال الرسالات بل والحضارات بين أجناس شتى في بقاع الأرض، تبقى لنا السيرة النبوية محفوظة بكل تفاصيلها وكأنها تجسيد حي للتطبيق العملي لسنن الله تعالى، فمن تأمل حياة الرسول منذ بدء الدعوة وإلى اللحظات الأخيرة من حياته يجد تجسيدا حيا لسنن الله تعالى، تجسيدا ربما استغرق قرونا في سابق الزمان، وبين الحين والحين تأتي المعجزات خارقة لكل سنة إلا أنها ما كانت لتتجاوز الاتجاه العام الذي حدد الله به حركة الاجتماع الإنساني على الأرض، ولعلنا في هذه الخاطرة العابرة نحاول أن نتوقف عند أبرز السنن الإلهية التي بدت واضحة التجسيد في السيرة النبوية، والتي تثبت أن الإسلام ليس دينا يضمن أنصاره به الآخرة فحسب، وإنما منهج يحكمون به الدنيا، ويدفعون به الباطل، إلا أن هذه المدافعة لا تتأتى إلا بإدراك سنن الله الاجتماعية في الأنفس، وسننه الكونية في الآفاق، فهي ليست أمانٍ وألفاظ، وإنما إيمان وإرادة وحسن تعامل مع سنن الله تعالى في الكون
سُنّة الأخذ بالأسباب
سُنَّةٌ رافقت الاجتماع البشري منذ اللحظة الأولى لرحلته الشاقة على الأرض، فآدم عليه السلام منذ أن وطئت قدمه الأرض غدت أفعاله مرهونة بهذه السنة، لا إدراك لآمال إلا بسعي دءوب وجهد حثيث [فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى] فالشقاء هو السعي من أجل تحقيق الغاية من الخلق، وبدون السعي لن تتحقق غاية. فكل أحداثها ترسمأما حياة الرسول لنا منحى عام يؤصل تفعيل تلك السُنَّةٌ في كل موقف مر بالنبي، ولعلنا نقتطف من أحداث السيرة غزوة بدر لنرى فيها تلك السنة واضحة جلية، ففي الوقت الذي ظن المسلمون بنصر اللهفيه أنهم يُساقون إلى مصارعهم، جاءتهم البشارة على لسان رسول الله ولا أصحابه الأسباب، وإنما اتخذواوتأييده، ومع هذا الوعد الصادق لم يعطل النبي كافة التدابير التي ترسم لهم خطوات النصر، وبدا هذا جليا في حركة الاستخبارات قبيل المعركة، وفي خطته للقتال، وفي التعبئة النفسية للمسلمين، وفي توزيع المهام وفقا للكفاءات وغير ذلك كثير من الأسباب المادية التي تقود إلى النصر، ولعلك بقليل تأمل لغزوات الرسول تدرك مدى فاعلية هذه السنة في مشوار الدعوة، وربما تظهر لك أكثر وضوحا حينما تتعرض لغزوة أحد حينما تجد أن التقصير في الأخذ بالأسباب قاد المسلمين إلى جرح غائر ظل ينزف من الجسد الإسلامي سنوات طوال ربما لم يلتئم إلا بعد فتح مكة . ويبقى أن تتدبر قول الله تعالى [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ] فيأتي الاستعداد المادي والمعنوي شرط رئيسي لتحقيق نصر الله تعالى للمؤمنين؛ لتتأصل حقيقة كبرى من حقائق هذا الدين مفادها أن التوكل الصادق على الله لا يعني ترك الأسباب، وإنما الأخذ بالأسباب دليل على صدق التوكل، ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال (( إن الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا قدح في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع))
سُنّة تغير النفوس
سُنَّةٌ قل من ينشغل بالتفكير فيها أو التأمل في سريانها بين الأمم [ إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ] فتغيير الأنفس تذليلها إلى الطاعة أو تجريئها على المعصية، تغيير بالارتقاء لأعلى أو الانتكاس لأسفل، فمتى وجدت أسباب التغيير تبعتها النتائج سلبا أو إيجابا، ولعلنا نستعرض نموذجا حيا لهذا التغيير، عمر بن الخطاب وعمرو بن هشام، سيدا قومهما قبل الإسلام، ولما جاء الإسلام التقيا على عداوة الدعوة، بل واستماتا في تلك العداوة حتى أذاقا المسلمين ذل الاستضعاف، ومضت السنون تزيدهم بعدا عن الإسلام، إلا أن الأنفس السوية أقرب إلى الانقياد إلى الحق متى استبان لها، فتهيأت سبل الهداية لعمر بن الخطاب فانقاد خلفها دون علو أو استكبار عليها، فأصبحت نفسه أقرب إلى التغيير فأتم الله عليه بنور الهداية فغدا فاروق الأمة ، وكم من نور أضاء طريق أبا جهل فأعرض عنه كبرا وعلوا، فأعرض الله عنه فغدا فرعون الأمة، التقت آمالهم فاتحدت مساعيهم لسنوات طوال ، واختلفت بواطنهم فافترقت بهم السبل بل والنهايات؛ لترسم تلك التجربة سُنَّةٌ من سنن الله في تغيير الأنفس متى كان نازع التغيير من داخلها. بل إن هذا التغيير لا يقتصر على أنفس الأشخاص بل يتجاوزها لتبديل أمم بأكملها، ولتتدبر قول الله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ] وقال تعالى [وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ] والله تعالى لا يستبدل قوما إلا بعدما ما هيأ لهم سبل الهداية فأعرضوا عنها، ففي حينها يستبدلهم الله تعالى ( وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )
سُنّة التدرج
سُنَّةٌ أخرى لازمت مشوار الدعوة منذ بدايتها، إنها سُنَّةٌ التدرج، ولكن لما ؟ لقد جُبل الخلق على النفرة مما خالف العادة والمألوف، فتأتي تلك السُنَّةٌ الفاعلة لتهيئة الأنفس إلى تقبل التكاليف بعدما استيقنت بضرورة تغيير كل واقع متشبع بالفساد، ولك أن تتأمل: ثلاثة عشر عاما من الدعوة بمكة وعدد المسلمين قريب من ثلاثمائة نفس هم حصاد أكثر من نصف عمر إلى المدينة فمكث بها سبعة أعوام فكان حصاد عشرون عاماالرسالة، ثم هاجر النبي قريب من ألف وخمسمائة مسلم، إبان فتح خيبر، وفي أعوام ثلاث فقط بعد عقدين من الدعوة في حجة الوداع قريب من مائة ألف مسلم، فأي سُنّة هذه التي تجسد ذاكحج مع الرسول الواقع ؟ إنها سنة التدرج، فمن تعجل هداية الخلق دون مراعاة هذه السُنّة في الدعوة لن يجني من دعوته سوى النفور بل وربما الإخفاق والفشل.......... وقد أشارت إلى فاعلية تلك السُنّة أم المؤمنين عائشة فقالت " إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ نَزَلَ الْحَلاَلُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لاَ تَشْرَبُوا الْخَمْرَ، لَقَالُوا لاَ نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ لاَ تَزْنُوا، لَقَالُوا لاَ نَدَعُ الزِّنَا وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُأَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ ( بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ) وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلاَّ وَأَنَا عِنْدَهُ " وأشار إليها أيضا ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فقال " إِنَّ اللَّه بَعَثَ مُحَمَّدًا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه، فَلَمَّا صَدَّقَ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ زَادَهُمْ الصَّلَاة، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهَا زَادَهُمْ الصِّيَام، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهِ زَادَهُمْ الزَّكَاة، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهَا زَادَهُمْ الْحَجّ، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهِ زَادَهُمْ الْجِهَاد، ثُمَّ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينهمْ فَقَالَ { الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكُمْ الْإِسْلَام دِينًا } " فالقرآن لم ينزل جملة واحدة، والتكاليف لم تُفرض مرة واحدة، وإنما أنزلها الله تباعا طيلة فترة الرسالة، واقتضت حكمته سبحانه أن يفرض التكاليف كحلقات متتالية، فتأتي الصلاة قبل الزكاة، ويأتي الصيام قبل الحج وهكذا، حتى التحريم لم يخل من التدرج، حتى إذا تكاملت جوانب الإيمان، جُمعت كل التكاليف واتضحت ملامح الدين وكملت شرائعه .
سُنّة الله في الاجتماع
قال تعالى [وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] ولا تنازعوا فتفشلوا، نتيجة حتمية للنزاع والشقاق، الفشل والإخفاق لا يصاحب إلا كل فرقة وانقسام، وهو بعيد كل البعد من الوحدة والاجتماع، فالناس إن لم يجمعهم الحق شعَّبهم الباطل، وإذا لم توحِّدهم عبادة الرحمن فرَّقتهم غواية الشيطان، وإذا لم يستهوهم نعيم الآخرة اجتالهم متاع الدنيا فتخاصموا عليها، وما من أمة من الأمم التي صنعت لها اسما في سجل البشرية عبر القرون إلا وهذه السنة عاملة فيها، إنها سنة الاتحاد والاجتماع، فما استقام بنيان يطوف أحد أركانه في غير فلك باقي الأركان، وقد بدا هذا جليا في مجتمع المدينة الذي غدا وكأنه قلب واحد في صدور عدة، بعدما عاش العرب قرونا في ظلمات الجاهلية في فرقة وشقاق وتخاصم وعداء، فعقدين من الزمان تحت راية التوحيد كانت كافية لصنع أمة تقود البشرية قاطبة، ونفس الأمة كانت على هامش الحضارة بل هامش البشرية قاطبة قبل الإسلام. سُنّة الله في أهل الذنوب: قال تعالى [أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ] وهذه حقيقة ثابتة وسُنّة مُطردة، أن الله يسلط على الظالمين من يبيد سلطانهم جراء بطشهم وتجبرهم، ويهلكهم بذنوبهم، وقد سلط الله المسلمين على مشركي العرب، ثم على الفرس والروم، وكتب لهم التمكين عندما حققوا شروطه وأخذوا بأسبابه [وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ] وتلك سنة الله الباقية في أهل المعاصي
سُنّة الله في الانتقام من الطغاة
إن الله عز وجل يُمهل الظالمين والطغاة، لكنه لا يهملهم، يتركهم حتى يتجبروا ويظن الناس ألا قادر عليهم، وفي حينها يأخذهم أخذ عزيز مقتدر؛ ليجعل في هلاكهم العبرة والعظة لمن جاء بعدهم كي لا ينتهجوا نهجهم، فهذا فرعون الذي أدّعى لنفسه الألوهية [فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآَخِرَةِ وَالأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ] وقوم عاد الذين طغوا في البلاد [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ] وأصحاب الفيل [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ] إنها سنة الله الباقية في الانتقام من الطغاة والظالمين، يرصد لهم، ثم يجازيهم بما كسبوا، فهذا أبو جهل كم طغى وتجبر، كم آذى وعذب المستضعفين من المسلمين، كم سخر واستهزأ بخاتم النبيين، كم عادى وحارب أنصار هذا الدين، كم فكر وقدر لإبادة هذه الدعوة واستئصالها، فكيف كانت نهايته؟ يُقتل شر قتلة، ثم يُلقى كالجيفة النتنة مع كل من ساعده على تجبره، وكل من سار على دربه وسلك نهجه ، لتبقى سنة الله واضحة جلية لكل من يتدبر .
سُنّة الله في المترفين
قال تعالى [وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا] فمتى حان وقت إهلاك الله لأمة كثر فيها الطغاة هيأ لهم من يهديهم إلى سبيل الرشاد ـ نبي كان أو داعية ـ فإن أعرضوا فلا حجة لهم ولا عذر، ورغم أن الأمر شمل الجميع، فقد خص الله المترفين المتنعمين والمتجبرين والملوك والطواغيت من أهلها، لأنهم أئمة الفسق ورؤساء الضلال، وما وقع من سواهم هو جراء أتباعهم، فهذه قريش التي ساق الله تعالى إليها النعم، ومَنّ عليها بالأمن، وخرج منها خاتم الرُسل، فما كان من سادتها ومترفيها إلا التكبر والفسوق، فحقّ عليهم سُنّة الله بالانتقام منهم واستخلاف غيرهم، وهذه السُنّة باقية نراها حية جلية في كل عصر ومكان، ينتقم الله من المترفين المنعمين، أصحاب القصور ولا يملكون إيمان دابة.
سُنّة الله في الظلم والظالمين
وهذه السُنّة ماضية في الأشخاص والأمم على السواء، قال تعالى [ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ القُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ] «وقال إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ » فما مكة في فجر الدعوة إلا إحدى صور مجتمع الشرك الذي طغا وتجبّر وجارى الأمم الفاسقة في طغيانها، فجرت عليها سنة الله بإهلاكها. لذا قيل: إنَّ اللَّهَ يُقِيمُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً، وَلَا يُقِيمُ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً. وَقيل: الدُّنْيَا تَدُومُ مَعَ الْعَدْلِ وَالْكُفْرِ وَلَا تَدُومُ مَعَ الظّصلى الله عليه وسلمِ وَالْإِسْلَامِ .
سُنّة الابتلاء
وهذه السُنّة بدت واضحة جلية في كل يوم من عمر الرسالة، حينما أخذت الأحداث تموج بالنبي وأصحابه بين صنوف شتى من الابتلاءات، فما أثنتهم تلك الابتلاءات عن أهدافهم وما زعزعت عقيدتهم، بل إن الابتلاءات كانت تزيدهم ثباتا وتمسكا حينما غدت دروسا للتربية الإيمانية، وسرعان ما طُويت صفحات الابتلاء وصاحبه النصر والتمكين، فالنصر مع الصبر، واليسر بعد العسر، والتمكين بعد الابتلاء .
سُنّة التدافع بين الحق والباطل
فالصراع والمدافعة بين الحق والباطل سُنّة ربانية، وهي التي يعبر عنها علماء الاجتماع بتنازع البقاء، وأن البشر في صدام مستمر يفيد في النهاية إلى زوال طرف وبقاء آخر فترة من الزمان، وإذا كان البقاء للباطل فهو إلى أن تظهر دولة الحق التي تحكم بالعدل، فما بقاء دولة الباطل إلا لغياب أنصار الحق، وهذا التدافع بين الناس قد بدأ مع بدء الخليقة، منذ أن أُهبط آدم إلى الأرض وهبط معه إبليس؛ لتكون الأرض ساحة صراع طويل بين حزب الله وحزب الشيطان، بين أنصار الحق ودعاة الباطل، فالتدافع إذن سنة إلهية ملازمة للبشر منذ اليوم الأول على الأرض، والحكمة من هذه السنة هو دوام التمحيص [ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ *وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ] وما من نزاع بين أنصار الحق وأنصار الباطل إلا هو إحدى حلقات الصراع الأبدي بين الخير والشر، تراه واضحا جليا في سيرة الرسول وفي رحلة الفتوحات وفي كل صراع جمع بين نقيضين أحدهما حق.................
هذا ما يسر الله لي الحديث عنه، ولعل الطريق يجمع بيننا ثانية في رحلة الحياة الشاقة، وفي حينها قد نكمل ما قد بدأناه، أما إذا غابت كلماتي عنكم فاعلموا أنيّ في حينها بحاجة إلى دعائكم فلا تحرموني | |
|