محمود شادي اللواء
وسامكـ يا مسلمـ/ة : مهنتكـ يا مسلمـ/ة : مزاجــك يا مسلمـ/ة : علمـ دولتكـ يا مسلمـ/ة : هوايتكـ يا مسلمـ/ة : جنسك يا مسلمـ/ة : مساهماتكـ يا مسلمـ/ة * * : 775 نقاطكـ يا مسلمـ/ة * : 5668 سمعتكـ يا مسلمـ/ة * * : 0 تاريخ تسجيلكــ يا مسلمـ/ة * * : 16/12/2009 عمركـ يا مسلمــ/ة * * : 26
| موضوع: كيف نحب رسول الله الخميس ديسمبر 31, 2009 1:57 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة والسلام على اشرف الخلق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول الله تعالى: “والضحى والليل اذا سجى ما ودعك ربك وما قلى”[ سورة الضحى] يقسم الله بشروق الشمس بعد ظلام الليل المطبق.. يقسم سبحانه بشروق الشمس أولا ليعرف الانسان عظمة الشروق بعد ظلال الليل الدامس.. يقسم بهما على ان انقطاع الوحي لم يكن هجرا له صلى الله عليه وسلم ولا بغضا، وانما ليزداد تشوقه إليه.. أقسم بهما ليبين عظيم مكانته صلى الله عليه وسلم وقدره عنده سبحانه: “ما ودعك ربك وما قلى، وللآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى”.. منزلتك في الآخرة ستكون أعظم من إكرام الدنيا بكثير، وإكرام الله لك دائم لا ينقطع، لا في الدنيا ولا في الآخرة. ثواب وكرامة حتى يرضى صلى الله عليه وسلم يذكرها سبحانه بشارة له صلى الله عليه وسلم، ويسوق لها الأدلة من نعم الدنيا التي أنعم الله عليه بها.
“ألم يجدك يتيماً فآوى” لم يكن يتيماً فحسب، بل حاز اليتم في أرقى درجاته، توفي والده صلى الله عليه وسلم وهو جنين في بطن أمه.. خرج الى النور وأباه في عالم الآخرة، لتبدأ العناية الآلهية له من ساعة مولده صلى الله عليه وسلم. اليتم لغيره صلى الله عليه وسلم يعني ذلا في بيوت الناس، او فقدا للحنان في الملاجئ وبيوت الايتام، اما اليتم بالنسبة له صلى الله عليه وسلم فكان مختلفا تماما، كان حفظا إلهياً من ساعة خروجه الى الوجود.. كان انتقالا من رعاية الى رعاية، ومن عطف الى عطف حتى شب رجلا يعتمد على نفسه.
خرج مستفيداً من خبرات الحياة، ينتقل من بيت الى بيت ومن بيئة الى بيئة. فمن عطف الأم وحنانها الى بيئة البادية مع مرضعته حليمة.. ومن رعي الغنم وحياة البادية، الى عطف عبدالمطلب زعيم قريش آنذاك.. ومن كفالة جده، الى رعاية عمه الفقير أبي طالب.. ينتقل بين المهن ويرى ألوان الحياة، ولا يعيش بعقلية والده وحدها .. لم ينشأ متأثراً بنظرة والده إلى الحياة، وإنما عاش نقيا صافيا، يتفكر فيما حوله حتى جاءه أمر الله، ونزل عليه وحي ربه.
جاء يتيماً يعاني شدة الحياة، ليتعود على شدة الدعوة في كبره.. كان يتيماً ليبقى صغيراً في عين نفسه، عظيما في أعين الناس.. ولم يكن عظيما في نفسه أبداً، بل كان متواضعا كريما لينا سمحاً حتى قبل نزول الوحي عليه، ليصدق فيه قوله تعالى: “وانك لعلى خلق عظيم” [ القلم 4] .
في منازل بني سعد
كان يتيماً، ولكن دون أي اضطراب في شخصيته كالغالب في غيره من الايتام، فهو قد نال العطف كاملا، من مرضعته، وأمه، وجده، وعمه أبي طالب، زهدت فيه المرضعات، لأنه يتيم ليس له أب يطمعن في عطاياه، ولم يعلمن ان العطايا تأتي معه صلى الله عليه وسلم من الله جل جلاله خالق البشر، ولم تجد حليمة رضيعاً غيره فكانت البركة في مقدمه صلى الله عليه وسلم معها، فعادته منازل بني سعد مخضرة بعد اجداب، وعاد الدر الى ضرع ناقتهم، وتبدل حالهم من حال الى حال.. بركته عليهم زادت تعلقهم به صلى الله عليه وسلم، وزادت حبهم له.. وليكون ذلك تعويضا له عن فقده لعاطفة الابوة. يقول صلى الله عليه وسلم: “كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا أي غنم يرعونها ولم نأخذ معنا زاداً. فقلت: يا أخي اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا.
فانطلق أخي، ومكثت عند البهم، فأقبل طائران أبيضان كأنهما نسران، فقال احدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال الآخر: نعم. فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني للقفا، فشقا بطني ثم استخرجا قلبي، فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين. فقال احدهما لصاحبه: ائتني بماء ثلج فغسل به جوفي، ثم قال: ائتني بماء برد فغسل به قلبي، ثم قال: ائتني بالسكينة فذرها في قلبي، ثم قال احدهما لصاحبه: حُصْه أي خِطْه فحاصه وختم عليه بخاتم النبوة، ثم قال أحدهما لصاحبه: اجعله في كفة واجعل ألفا من أمته في كفة” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فإذا أنا انظر الى الألف من فوقي، أشفق ان يخر علي بعضهم، فقال: لو ان أمته وزنت به لمال بهم، ثم انطلقا وتركاني”. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وفرقت فرقا شديدا أي فزعت فزعا شديدا ثم انطلقت الى أمي أي مرضعتي فأخبرتها بالذي لقيت، فأشفقت ان يكون قد التبس بي أي خشيت انه قد أصابه مس من الجن فقالت: أعيذك بالله. فرحلت بعيراً لها فجعلتني على الرحل وركبت خلفي حتى بلغنا أمي. فقالت: أديت أمانتي وذمتي. وحدثتها بالذي لقيت، فلم يرعها ذلك وقالت: إني رأيت حين خرج مني نورا أضاءت منه قصور الشام” (احمد/ الشاميين - صححه الالباني ).
أربع سنوات قضاها في منازل بني سعد، ليعود بعدها الى عاطفة الأمومة.. الى أم تجد فيه ما يعوضها عن زوجها الذي فقدته، لتكون تلك المرحلة الثانية من مراحل العناية الآلهية. ولما خرجت به الى المدينة لزيارة أخوال أبيه من بني النجار، أدركها الوفاة في طريق عودتها، فانتقل الى عطف جده عبدالمطلب، وكان يتذكر فيه ولده الحبيب عبدالله، فبلغ حبه ودلاله له مبلغا انه كان يصحبه في مجالسه العامة، ويجلسه على فراشه بجوار الكعبة، فهو الحبيب بن الحبيب، وهو الذي تنطبق عليه امارات النبوة التي أخبر عنها عالم الكتب الذي رآه في اليمن.
هذا سيد العالمين
ثم ما لبث ان توفي جده وله صلى الله عليه وسلم من العمر ثماني سنوات، فكلفه عمه ابو طالب، وكان فقيرا كثير العيال، لكن الرعاية الآلهية له صلى الله عليه وسلم جعلت عمه يعطف عليه ويفضله على عياله، حتى انه لما بلغ اثني عشر عاماً خرج به معه دون باقي ولده في أشياخ من قريش الى الشام، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم. فخرج اليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج اليهم ولا يلتفت وبينما هم يحلون رحالهم، فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخد بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال: انكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا، ولا يسجدان الا لنبي، واني اعرفه بخاتم النبوة اسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة. ثم رجع فصنع لهم طعاما، فلما أتاهم به وكان هو في رعيه الابل، قال: أرسلوا اليه، فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه الى فيء الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه، فقال: انظروا الى فيء مال عليه، ثم ناشدهم الا يذهبوا به الى الروم، فإن الروم اذا رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه، ولم يزل يناشدهم حتى رده ابو طالب، وزوده الراهب من الكعك والزيت (الترمذي/ المناقب 3620). هذا النبي الأمي اليتيم، ولو لم يكن يتيما لآمن به أبوه، ثم كانت النبوة عصبية بين بني هاشم وبقية قريش، ولخرجت الدعوة عن مسارها الاسلامي الايماني، ولكنها الحكمة الالهية الربانية.. هذا هو النبي الأمي اليتيم.. “ألم يجدك يتيما فآوى”..
الحب الذي يوحدنا
لقد مسحنا من قلوبنا حب البطولة الحقيقية، بطولة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كافح ثلاثة وعشرين عاما في سبيل نصرة الاسلام ومبادئه، وفي سبيل اعلاء كلمة الله. لقد مسحنا من قلوبنا حب الشخصية الفذة، شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم.. ولو كنا نحبه حقا لشغفت قلوبنا بسماع أي شيء يتصل بشخصه الكريم. لكننا لم نعد نتابع سيرته واسلوبه في الحياة.. لم نعد نقتدي به صلى الله عليه وسلم، فالحب علامته الاتباع والتأسي، ألم يقل سبحانه: “قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم، والله غفور رحيم”. ألم يقل: “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، وذكر الله كثيرا”.
لم نمسح حبه من قلوبنا فحسب، بل مسحناه حتى من قلوب أبنائنا، فكم مرة في الاسبوع لا أقول في اليوم نجلس مع أبنائنا لنروي لهم سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لنروي لهم اخلاقه مع زوجاته وابنائه، وجيرانه من المسلمين وغيرهم؟ لنروي لهم عبادته وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟
أنموذج المحبة الذي نريد: ذلك الذي صوره لنا عبدالله بن زيد الانصاري صلى الله عليه وسلم بشكل عملي، حيث قال: يا رسول الله، إذا مت ومتنا، كنت في عليين لا نراك ولا نجتمع بك وذكر حزنه على ذلك فنزل قوله تعالى: “ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا”.. فهل نريد اكثر من ذلك!؟
حب الرسول يجب ان يكون جزءاً من كياننا.. يجب ان تخفق قلوبنا لذكره صلى الله عليه وسلم.. يجب ان يكون جزءاً من قوميتنا التي نفخر ونعتز بها.. حب الرسول صلى الله عليه وسلم هو الشيء الوحيد الذي يمكن ان يوحدنا، لأننا حينئذ نكون من شرق العالم الاسلامي الى غربه اتباعا لقائد عظيم واحد هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل جالسنا ابناءنا يوما لنعلمهم كيف تكون هذه المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم؟!
الرسول واصحابه
انظروا كيف يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم اصحابه اسلوب محبته. فقد قال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، والله لأنت احب الي من كل شيء الا من نفسي، فقال صلى الله عليه وسلم: “لا يا عمر!! حتى أكون أحب اليك من نفسك، فقال: والذي بعثك بالحق، لأنت أحب الي من نفسي، فقال صلى الله عليه وسلم: “الآن يا عمر” البخاري . هؤلاء هم القادة الذين فتحوا الشرق والغرب بإيمانهم.. هؤلاء الذين فتحوا أندونيسيا بإيمانهم قبل فتح الاندلس بسيوفهم.. هؤلاء الذين نشروا السلام والعدل والأمن الحقيقي في العالم.
لقد كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبونه حبا اختلط بدمائهم والتصق بقلوبهم، فهذا زيد بن الدثنة يطلب منه ابو سيفان ان ينجو من القتل بسب النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: والله، ما أحب ان اكون في بلدي آمنا، والنبي صلى الله عليه وسلم في مكانه تصيبه شوكة، فقال ابو سيفان: والله، ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب اصحاب محمد محمداً.
من قال: إننا لا نستطيع ان نكون كذلك فقد كذب وما اكثر أولئك الذين اصبح همهم توهين المسلمين وتثبيط عزائمهم يمكننا ان نكون كذلك اذا داومنا على الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. يمكننا ان نكون كذلك اذا قرأنا سيرته.. اذ قرأنا عن معجزاته التي تشهد له الى عصرنا هذا، كانشقاق القمر، والحديث عن الاجنة في بطون الامهات. وغيرها..
يمكننا ان نكون كذلك اذا قرأنا القوانين المعاصرة التي أتى بها من فوق سبع سماوات. واذا فشلنا بعد كل هذا في غرس محبته في اعماق قلوبنا، فيكفينا ثواب الجهد الذي بذلناه للاقتراب منه صلى الله عليه وسلم. اما الجيل القادم.. الجيل القادم الذي سيكون مسؤولا عن قيادة العالم.. أطفالنا تلك العجينة الطرية، فإننا مسؤولون عنهم امام الله.. مسؤولون عن تقصيرنا في سقي قلوبهم بمحبته صلى الله عليه وسلم.. إذا غرس اعداؤنا في قلوبهم “ميكي” و”باباي” فنحن لا نعجز ان ننشئ جيلا تعمق الايمان في قلبه.. جيلا يملك ايمانا يقاتل به اليهود في آخر الزمان، وهل نحن الا في آخر الزمان؟ كم عمر الجيل الواحد؟ هو عشرون عاما ليس الا.. يصبح الطفل فيها شابا، والشاب شيخا.. فابذلوا جهدكم في اصلاح ابنائكم واصبروا: “وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها” (طه: 132). | |
|